فصل: مسألة (3): إذا تغيَّر الماء بشيءٍ من الطََّاهرات تغيراً يزيل عنه اسم الإطلاق لم يرفع الحدث، خلافاً لأبي حنيفة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

اللهم صلِّ وسلِّم على محمَّد وآله‏.‏

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيراً‏.‏

أما بعد‏:‏ فهذا كتابٌ أذكر فيه المسائل والأحاديث التي ذكرها الشَّيخ الإمام العلاَّمة الحافظ جمال الدِّين أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه الله- في كتاب ‏"‏التَّحقيق‏"‏ محذوفة الأسانيد- في الغالب- منه إلى مؤلفي الكتب من الأئمة الحفَّاظ، كالإمام أحمد والبخاريِّ ومسلمٍ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ والدَّارقطنيِّ وغيرهم، ثم أُتبعها بزياداتٍ مفيدةٍ من ذكر من روى الحديث أو صحَّحَه أو ضعَّفَه، وذكر بعض علل الأحاديث، والتَّنبيه على أحوال رجالٍ سكت عنهم المؤلِّف وهم غير محتجٍّ بهم، ورجالٍ تكلَّم فيهم وهم صادقون محتجٌّ بهم، ورجالٍ وثَّقهم في موضعٍ وضعَّفهم في موضعٍ آخر، وغير ذلك من الزِّيادات المحتاج إليها، وذلك على وجه الاختصار في الغالب، وأكتب في أوَّل الزِّيادة ‏"‏ ز‏"‏ بالأحمر، وآخرها دائرة ‏"‏O‏"‏ بالأحمر أيضاً لكي تتميَّز من كلام المؤلِّف، وسميتُه‏:‏ ‏"‏كتاب تنقيح التَّحقيق في أحاديث التَّعليق‏"‏، والله أسأل أن ينفع به إنَّه قريبٌ مجيبٌ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت وإليه أنيب‏.‏

قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي- رحمه اللّه-‏:‏ أحمد الله على الإنعام المترادف، وأشكره على الإكرام المتكانف، حمداًَ يقوم بشكر التَّالد والطَّارف، وشكراً يصدر من مقرٍّ بالفضل عارفٍ، وكيف لا‏؟‏‏!‏ وبحر فهمي يهمي، وكم فهم واقفٍ‏؟‏ وبصر تبصري في العلوم ينفي في نقده الزائف‏.‏

وأصلِّي على أشرف راكبٍ وملبٍّ وطائفٍ، محمَّدٍ الذي شرع أحسن الشَّرائع ووظَّف أزين الوظائف، وعلى كلِّ من صحبَه وتبعَه خالفاً لسالفٍ‏.‏

وبعدُ‏:‏ فهذا كتابٌ نذكر فيه مذهبنا في مسائل الخلاف ومذهب المخالف، ونكشف عن دليل المذهبين من النقل كشف مناصِفٍ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف، وسيحمدنا المطََّلع عليه- إن كان منصفاً- والواقف، ويعلم أنَّا أولى بالصَّحيح من جميع الطَّوائف، والله الموفِّق لأرشد الطرق وأهدى المعارف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سبب تصنيف الكتاب‏]‏

كان السَّبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب أنَّ جماعةً من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصِّبا جمع أحاديث ‏"‏التَّعليق‏"‏، وبيان ما صحَّ منها وما طُعِن فيه، وكنت أتوانى عن هذا لشيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ اشتغالي بالطَّلب‏.‏

والثاني‏:‏ ظنِّي أنَّ ما في التَّعاليق من ذلك يكفي، فلمَّا نظرت في التَّعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مُزْجاة‏!‏ يُعَوِّل أكثرهم على أحاديث لا تصحُّ، ويُغرِض عن الصِّحاح‏!‏‏!‏ ويقلَِّد بعضهم بعضاً فيما ينقل‏.‏

ثمَّ قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ قومٌ غلب عليهم الكسل، ورأوا أنَّ في البحث تعباً وكلفةً، فتعجَّلوا الرَّاحة، واقتنعوا بما سطره غيرهم‏.‏

والقسم الثَّاني‏:‏ قومٌ لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث، وعلموا أنَّه لا بدَّ من سؤال من يعلم هذا، فاستنكفوا عن ذلك‏.‏

والقسم الثَّالث‏:‏ قومٌ مقصودهم التَّوسع في الكلام طلباً للتَّقدم والرِّئاسة، واشتغالهم بالجدل والقياس، ولا التفات لهم إلى الحديث- لا إلى تصحيحه ولا إلى الطَّعن فيه-، وليس هذا شأن من استظهر لدينه، وطلب الوثيقة في أمره‏.‏

ولقد رأيت بعض الأكابر من الفُقهاء يقول في تصنيفه- عن ألفاظٍ قد أخرجت في الصِّحاح-‏:‏ ‏(‏لا يجوز أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذه الألفاظ‏)‏‏!‏‏!‏ ويردُّ الحديث الصَّحيح ويقول‏:‏ ‏(‏هذا لا يُعرف‏)‏‏!‏‏!‏ وإنَّما هو لا يَعرفه‏.‏

ثمَّ رأيته قد استدل بحديثٍ زعم أنَّ البخاريَّ أخرجه- وليس كذلك-، ثمَّ نقله عنه مصنفٌ آخر كما قال تقليداً له‏!‏‏!‏ ثمَّ استدلَّ في مسألة، فقال‏:‏ ‏(‏دليلنا ما روى بعضهم أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كذا‏)‏‏!‏ ورأيت جمهور مشايخنا يقول ‏[‏في تصانيفهم‏]‏‏:‏ ‏(‏دليلنا ما روى أبو بكر الخلاَّل بإسناده عن رسول الله ‏[‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏]‏ ‏)‏، و ‏(‏دليلنا ما روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده‏)‏، و ‏(‏دليلنا ما يروي ابن بطََّّة بإسناده‏)‏ وجمهور تلك الأحاديث في الصِّحاح وفي ‏"‏المسند‏"‏ وفي ‏"‏السُّنن‏"‏‏!‏ غير أنَّ السَّبب في اقتناعهم بهذا‏:‏ التَّكاسل عن البحث‏.‏

والعجب ممَّن ليس له شغلٌ سوى مسائل الخلاف، ثم اقتصر منها في المناظرة على خمسين مسألة‏!‏‏!‏ وجمهور هذه الخمسين لا يستدلُّ فيها بحديثٍ‏!‏‏!‏‏!‏ فما قدر الباقي حتَّى يتكاسل عن المبالغة في معرفته‏؟‏‏!‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما أخذه المصنف على العلماء في زمنه‏]‏

وأَلْوَمُ عندي ممَّن قد لُمته من الفقهاء‏:‏ جماعة من كبار المحدثين، عرفوا صحيح النَّقل وسقيمه وصنَّفوا في ذلك، فإذا جاء حديث ضعيف يخالف مذهبهم بيَّنوا وجه الطَّعن فيه، وإن كان موافقاً لمذهبهم سكتوا عن الطعن فيه‏!‏ وهذا يُنبئ عن قلَّة دينٍ، وغلبة هوى‏.‏

ز‏:‏ وقد ضعف الحافظ أبو الفرج- رحمه الله- جماعةً في موضع لمَّا كان الحديث يخالف مذهبه، ثمَّ احتجَّ بهم في موضع آخر لمَّا كان يوافق مذهبه‏!‏ O‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا إبراهيم بن عبد الله ابن محمَّد السكونيُّ قال‏:‏ سمعت أبي قال‏:‏ سمعت وكيعاً يقول‏:‏ أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم‏!‏ قال‏:‏ وهذا حين شروعنا فيما انتدبنا له من ذكر الأحاديث، معرضين عن العصبية التي نعتقدها في مثل هذا حراماً، وبعيدٌ‏:‏ مصنِّفٌ منصِفٌ‏!‏ ولو ذكرنا كلَّ ‏[‏حديث‏]‏ بجميع طرقه، وأشبعنا الكلام فيها لطال ومُلَّ، وإنما هذا ‏[‏موضوع‏]‏ للفقهاء، وغرضهم يحصل مع الاختصار، وللمحدثين فيه حظٌّ بقليلٍ من البسط والأسانيد، والله الموفق‏.‏

كتاب الطَّهارة

‏[‏مسائل في أحكام الطهارة والأواني‏]‏

مسألة ‏(‏1‏)‏‏:‏ الطَّهور هو الطَّاهر في نفسه المطهِّر لغيره، فهو من الأسماء المتعدِّية‏.‏

وقالت الحنفيِّة‏:‏ هو من الأسماء اللازمة، فهو بمعنى الطَّاهر‏.‏

وقد استدلَّ أصحابنا في المسألة بحديثين‏:‏

1- الحديث الأول‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ ثنا ابن ‏[‏سِنَان‏]‏ ثنا هُشيم ثنا سَيَّار ثنا يزيد الفقير قال‏:‏ أنا جابر بن عبد الله أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالذأُعطيتُ خمساً لم يعطهُنَّ أحدٌ قبلي‏.‏

- فذكر منهن‏:‏- وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً‏"‏‏.‏

هذه طريق البخاريِّ في ‏"‏الصَّحيح‏"‏‏.‏

2- وقد أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏فُضِّلت على الأنبياء بستٍّ‏.‏

- فذكر منهنَّ‏:‏- وجُعلت لي الأرض طَهُوراً ومسجداً‏"‏‏.‏

3- وقد رواه مسلمٌ من حديث حُذَيْفَة، فقال‏:‏ ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا محمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عن أبي مالكٍ الأَشْجَعيِّ عن رِبْعِيٍّ عن حُذَيْفَة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏فُضِّلنا على النَّاس بثلاثٍ‏:‏ جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلُّها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طَهُوراً إذا لم نجد الماء‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ لو أراد بقوله‏:‏ ‏"‏طهوراً‏"‏ أنَّه طاهرٌ لم يكن في ذلك فضيلة، لأنَّ ذلك طاهرٌ في حقِّ سائر الأنبياء‏.‏

4- الحديث الثَّاني‏:‏ روى الترمذيُّ َوالنسائيُّ قالا‏:‏ ثنا قتيبة عن مالكٍ عن صفوان بن سُليمٍ عن سعيد بن سَلَمة- من آل بني الأَزْرق- أنَّ المغيرة بن أبي بُرْدَة أخبره أنَّه سمع أبا هريرة يقول‏:‏ سأل رجلٌ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّا نركب البحر، و ‏[‏نحمل‏]‏ معنا القليل من الماء، فإن توضَّأنا به عطشنا‏!‏ أفنتوضأُ من ماء البحر‏؟‏ فقال رسول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏هو الطََّهُور ماؤه، الحلُّ ميتته‏"‏‏.‏

قال الترمذيَّ‏:‏ هذا حديث حسنٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ وقد روى هذا الحديث‏:‏ الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه، وأبو بكر ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حِبَّان في ‏"‏صحيحيهما‏"‏‏.‏

وهو حديث مختلف في إسناده‏:‏ فقيل‏:‏ عن صفوان بن سُلَيم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة، كما تقدَّم‏.‏

وقيل‏:‏ عنه عن عبد الله بن سعيد المخزوميِّ‏.‏

وقيل‏:‏ عنه عن سلمة بن سعيد عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة‏.‏

وقيل‏:‏ عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏

ورواه يزيد بن أبي حَبِيب عن الجُلاَح أبي كثير عن كثير بن سلمة المخزوميِّ عن المغيرة بن أبي بُردة عن أبي هريرة‏.‏

وقال الترمذيُّ أيضاً‏:‏ سألتُ محمَّدَ بنَ إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث، فقال‏:‏ هو حديث صحيحٌ‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ وإنَّما لم يخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏الصَّحيح‏"‏ لأجل اختلافٍ وقع في اسم‏:‏ سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بُردة‏.‏

وقد جمعتُ في حديث أبي هريرة ‏[‏هذا‏]‏ وشواهده من الأحاديث جزءً كبيراً O‏.‏

5- وروى أحمد‏:‏ ثنا أبو القاسم بن أبي الزِّناد أخبرني إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مِقْسَم عن جابر بن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في البحر‏:‏ ‏"‏هو الطََّهور ماؤه، الحلُّ ميتته‏"‏‏.‏

ثم ساق المؤلف حديث أبي هريرة من طريق الإمام أحمد‏.‏

ز‏:‏ حديث جابر‏:‏ رواه ابن ماجه وأبو حاتم والدارَقُطْنيُّ‏.‏

وأبو القاسم ابن أبي الزِّناد‏:‏ صدوقٌ‏.‏

وإسحاق بن حازم‏:‏ وثَّقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم‏:‏ صالح الحديث‏.‏

وقال الدارَقُطْنِيُّ‏:‏ وإسحاق بن حازم هذا‏:‏ شيخٌ مدينىٌّ، ليس بالقويِّ، وقد اختلف عنه في إسناد هذا الحديث O‏.‏

قال‏:‏ وقد رويناه أيضاً من حديث‏:‏ أبي بكر الصدِّيق، وعليٍّ بن أبي طالب، وابن عبَّاس، وعمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه‏.‏

واحتجاج أصحابنا منه‏:‏ أَنَّه لو أراد بالطَّهور الطَّاهر لم يكن جواباً عن السُّؤال، لأنَّ في الطَّاهرات ما يجوز التَّطهر به وما لا يجوز، فعلم أنَّ الطََّهور اسم مختصٌّ بما يتطهر به‏.‏

ز‏:‏ قد قيل‏:‏ إنَّ الطََّهور لازمٌ لفظاً ومعنًى؛ وقيل‏:‏ لازمٌ لفظاً متعدٍّ معنًى‏.‏

قال شيخنا- رضي الله عنه-‏:‏ والتَّحقيق في هذا أن يقال‏:‏ إنَّ الطَّهور هنا ليس معدولاً عن طاهرٍ حتَّى يشاركه في اللزوم والتَّعدِّي بحسب اصطلاح النُّحاة- كما يقال‏:‏ ضاربٌ و ‏[‏ضروبٌ‏]‏، وآكلٌ وأكولٌ، ونائمٌ ونؤومٌ-، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل بها، فإنَّهم يقولون‏:‏ طَهُورٌ و وَجُورٌ وسَعُوطٌ ولَدُودٌ وفَطُورٌ وسَحُورٌ‏:‏ لما يتَُطَهَّر به ويُوجَر به ويُلَدُّ به ويُفْطَر عليه ويُتَسحَّر به، ويقولون‏:‏ طُهُورٌ و وُجُورٌ وسُعُوطٌ ولُدُودٌ وفُطُورٌ و سُحُورٌ- بالضمِّ-‏:‏ للمصدر الذي هو اسمٌ لنفس الفعل‏.‏

فيفرِّقون بين اسم الفعل واسم ما يفعل به‏:‏ بالضمِّ والفتح، وهذا معروفٌ مشهورٌ عند أهل العلم بالعربية وغيرهم من الفقهاء والمحدِّثين، وإذا كان كذلك فالطَّهُور‏:‏ اسمٌ لما يتطهَّر به‏.‏

وكذا قال تعالى في إحدى الآيتين‏:‏ ‏(‏وأنزلنا من السماء ماء طهوراً‏)‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 48‏]‏، وفي الأخرى‏:‏ ‏(‏وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به‏)‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وأمَّا اسم طاهر فإنَّه صفةٌ محضةٌ لازمةٌ، لا يدلُّ على ما يتطهر به أصلاً‏.‏

فصار الفرق بين الطَّاهر والطَّهور من جهة اللزوم والتَّعدية المعنويَّة الحكميَّة الفقهيَّة، لا من جهة اللزوم والتَّعدية النحوية، وبهذا التَّحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرَّق بين طَاهرٍ وطَهورٍ من هذه الجهة، لا كمن سوّى بينهما من أصحاب أبي حنيفة، ولا كمن فرَّق بينهما بفرقٍ غير جارٍ على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد- رحمهم اللّه- والله أعلم‏.‏

مسألة ‏(‏2‏)‏‏:‏ لا تنجس القلَّتان بوقوع النَّجاسة فيهما، إلا أن تكون بَوْلاً‏.‏

وسوَّى الشافعيُّ بين الأنجاس، وهو رواية لنا‏.‏

وقال ‏[‏أبو حنيفة‏]‏‏:‏ ينجس كلُّ ما غلب ‏[‏على‏]‏ الظَّن وصول النَّجاسة إليه، فإن كان دون القلَّتين نجس بكلِّ حالٍ‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ يعتبر تغيُّر الصِّفات‏.‏

لنا‏:‏

6- ما روى أحمد‏:‏ ثنا عَبْدة عن محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن جعفر ابن الزُّبير عن عبيد الله بن ‏[‏عبد الله بن‏]‏ عمر عن ابن عمر قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السِّباع والدَّواب- قال‏:‏ ‏"‏إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبث‏"‏‏.‏

رواه الترمذيُّ عن هنَّاد عن عَبْدة‏.‏

7- وروى عَبْد بن حُميد‏:‏ ثنا أبو أسامة ثنا الوليد بن كثير عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن ‏[‏عبد الله‏]‏ بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال‏:‏ سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء يكون بأرض الفلاة، وما ينوبه من السِّباع والدَّوابِّ، فقال‏:‏ ‏"‏إذا كان ‏[‏الماء‏]‏ قلَّتين لم يحمل الخبث‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد اختلف على أبي أسامة‏:‏ فتارةً يرويه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير‏.‏

وتارةٌ عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر‏.‏

فالجواب‏:‏ أنَّ الدارَقُطْنيَّ قال‏:‏ القولان صحيحان عن أبي أسامة، فإنَّ الوليد بن كثير رواه عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير وعن محمَّد بن عبَّاد جميعاً عن ‏[‏عبد الله‏]‏ بن عبد الله بن عمر، فكان أبو أسامة تارةً يحدِّث به عن الوليد ابن كثير عن محمَّد بن جعفر، وتارةً يحدِّث به عن الوليد عن محمَّد بن عبَّاد‏.‏

ورواه محمّد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه، وكذلك رواه عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله، فقد صحَّت الرِّوايتين ‏(‏عن عبيد الله وعبد الله‏)‏ كلاهما عن ابن عمر‏.‏

فإن قيل‏:‏ فقد رُوي بالشكِّ‏:‏ ‏(‏قلتين أو ثلاثا‏)‏‏:‏

8- قال أحمد‏:‏ ثنا وكيع ثنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن النذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا كان الماء قدر قلَّتين- أو ثلاث- لم ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

قال وكيع‏:‏ القلَّة‏:‏ الجرَّة‏.‏

9- وقال الدارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا الحسن بن إسماعيل ثنا الحسن بن محمد ابن الصبَّاح ثنا يزيد بن هارون أنا حمَّاد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزُّبير حدَّثني عبيد الله بن عمر عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا بلغ الماء قلَّتين- أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ قد اختلف عن حمَّاد‏:‏ فروى عنه إبراهيم بن الحجَّاج وهُدْبة وكامل بن طلحة فقالوا‏:‏ قلَّتين أو ثلاثاً‏.‏

وروى عنه عفَّان ويعقوب بن إسحاق الحضرميُّ وبشر بن السَّريِّ والعلاء ابن عبد الجبَّار وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن موسى العَيْشيُّ‏:‏ إذا كان الماء قلَّتين- ولم يقولوا‏:‏ أو ثلاثاً-‏.‏

واختلف عن يزيد بن هارون‏:‏ فروى عنه ابن الصبَّاح بالشَّكِّ، وروى عنه أبو مسعود بغير شكٍّ، فوجب العمل على قول من لم يشك‏.‏

ز‏:‏ وقد روى حديث القلَّتين‏:‏ أبو داود والنسائيُّ وابن مَاجَه أيضاً بطرقٍ؛ ورواه ابن خزيمة وابن حِبَّان في ‏"‏صحيحيهما‏"‏؛ والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ وقال‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، فقد احتجا ‏[‏جميعاً‏]‏ بجميع رواته ولم يخرجاه، وأظنُّهما- والله أعلم- لم يخرجاه لخلافٍ فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير‏.‏

وسئل ابن معين عن هذا الحديث فقال‏:‏ هذا إسنادٌ جيِّدٌ‏.‏

فقيل له‏:‏ ‏[‏فإنَّ‏]‏ ابن عُلَيَّة لم يرفعه‏.‏

قال يحيى‏:‏ وإن لم يحفظه ابن عُلَيَّه فالحديث حديثٌ جيِّدُ الإسناد‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ إسناده صحيحٌ موصولٌ‏.‏

ورواه حمَّاد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن عبيد اللّه ‏[‏بن عبد الله‏]‏ ابن عمر عن أبيه موقوفاً‏.‏

وكذلك ‏[‏رواه‏]‏ إسماعيل بن عُلَيَّة عن عاصم بن المنذر عن شيخ له عن ابن عمر موقوفاً‏.‏

‏[‏وروى زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال‏:‏ إذا كان الماء قلَّتين لا ينجِّسه شيءٌ‏]‏‏.‏

وروى عبد الله بن الحسين المصيصيُّ عن محمَّد بن كثير عن زائدة فرفعه‏.‏

والصواب الموقوف‏.‏

وروى شَريك عن أبي إسحاق عن مجاهد قال‏:‏ إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيءٌ‏.‏

وقد تكلَّم الدارقطنيُّ على هذا الحديث كلاماً طويلاً غير ما ذكره المؤلِّف، كتبته وغيره من كلام الأئمة في جزءٍ مفردٍ‏.‏

وقد ذكر الإمام أبو عمر ابن عبد البرِّ في كتاب ‏"‏التَّمهيد‏"‏ له هذا الحديث، وقال‏:‏ هو حديثٌ يرويه محمَّد بن إسحاق والوليد بن كثير جميعاً عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير، وبعض رواة الوليد بن كثير ‏[‏يقول فيه عنه‏:‏ عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر‏.‏

ولم يختلف عن الوليد بن كثير‏]‏ أنَّه قال فيه‏:‏ عن ‏[‏عبد‏]‏ الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه‏.‏

ومحمَّد بن إسحاق يقول فيه‏:‏ عن محمَّد بن جعفر بن الزُّبير عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعاً أيضاً‏:‏ فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله‏.‏

ورواه عاصم بن المنذر فاختلف فيه عليه أيضاً‏:‏ قال فيه حمَّاد بن سلمة‏:‏ عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه‏.‏

‏[‏و‏]‏ قال فيه حمَّاد بن زيد‏:‏ عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر‏.‏

وقال حمَّاد بن سلمة فيه‏:‏ ‏"‏إذا كان الماء قلَّتين- أو ثلاثاً- لم ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ ‏"‏إذا كان الماء قلَّتين لم يحمل الخبث‏"‏‏.‏

وهذا اللفظ محتملٌ للتأويل‏.‏

ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التَّوقف عن القول بهذا الحديث، على أنَّ القلَّتين غير معروفتين، ومحالٌ أن يتعبَّد الله تعالى عباده بما لا يعرفونه‏.‏

وقال الطَّحاويُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ، لكن تركناه لعدم علمنا بالقلَّتين‏.‏

وقال الخطَّابيُّ‏:‏ ويكفي شاهداً على صحَّته ‏[‏أنَّ‏]‏ نجومَ أهلِ الحديث صحَّحوه‏.‏

وقد صحَّحه جماعة من المتأخرين، واستشكلوه من جهة‏:‏ أنَّ القلَّتين لا يعلم قدرهما O‏.‏

فإن قيل‏:‏ فقد روي‏:‏ ‏(‏أربعين قلَّة‏)‏‏:‏

10- قال ابنُ عَدِيٍّ‏:‏ أبنا أبو يعلى ثنا سويد ثنا القاسم بن عبد الله العمريُّ عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا بلغ الماء أربعين قلَّةً فإنَّه لا يحمل الخبث‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ هذا لا يرويه مرفوعاً غير القاسم، قال أحمد بن حنبل‏:‏ القاسم‏:‏ ليس هو عندي بشيءٍ، كان يكذب ويضع الحديث، ترك الناس حديثه‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ هو كذَّابٌ خبيثٌ‏.‏

وقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ لا يُساوي شيئاً‏.‏

وقال الدارَقُطْنِيُّ‏:‏ كان ضعيفاً كثير الخطأ، ووهم في إسناده، وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثَّوريُّ ومعمر فرووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر موقوفاً‏.‏

ورواه أيُّوب السَّختياني عن محمَّد بن المنكدر من قوله لم يجاوزه‏.‏

وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال‏:‏ إذا كان الماء قدر أربعين لم يحمل خبثاً‏.‏

وخالفه غير واحد، فرووه عن أبي هريرة فقالوا‏:‏ أربعين غَرْباً‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ أربعين دلواً‏.‏

احتجَّ أصحاب مالك بأحاديث‏:‏

11- الأوَّل‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الماء لا ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

وهذا متروكُ الظَّاهر بما إذا تغيَّر‏.‏

12- الحديث الثَّاني‏:‏ ‏[‏قال الدارَقُطْنيِّ‏:‏ ثنا محمَّد بن الحسن الحرَّانيُّ ثنا عليُّ بن أحمد الجرجانيُّ ثنا محمد بن موسى الحَرَشيُّ ثنا فُضيلُ بن سليمان النُّميريُّ عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏الماء لا ينجسِّه شيءٌ‏"‏‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ فُضيلُ بن سليمان ليس بثقةٍ‏.‏

ز‏:‏ وقال أبو زرعة في فضيل‏:‏ ليِّن الحديث‏.‏

وقال أبو حاتم والنسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وقد أخرج له في ‏"‏الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ومحمَّد بن موسى الحَرَشيُّ‏:‏ صدوقٌ، ‏[‏تكلَّم‏]‏ فيه أبو داود‏.‏

ولم نقف عليه في المطبوع من ‏"‏سؤالات أبي عبيد‏"‏، فلعله في الأجزاء المفقودة‏.‏

ووثَّقه غيره‏.‏

وشيخ الدارَقُطْنيِّ وشيخ شيخه‏:‏ ثقتان، والله أعلم O‏.‏

12/أ- الحديث الثَّالث‏]‏‏:‏ قال الدارقطني‏:‏ ثنا محمَّد بن موسى البزار أنا علي بن سراج ثنا أبو شُرَحْبِيل عيسى بن خالد ثنا مروان بن محمَّد ثنا رِشْدِين ثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الماء طهورٌ إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه‏"‏‏.‏

هذا لا يصحُ‏.‏

أمَا معاوية بن صالح‏:‏ فقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ لا يحتجُّ به‏.‏

وكان يجيى بن سعيد لا يرضاه‏.‏

وأما رِشْدِِين‏:‏ فهو ابن سعد، قال يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ يحدِّث بالمناكير عن الثِّقات، وفيه غفلةٌ‏.‏

وقال النسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال أبو حاتم ابن حِبَّان الحافظ‏:‏ كان يقرأ كلَّ ما وقع إليه، سواءٌ كان من حديثه أو لم يكن‏.‏

13- الحديث ‏[‏الرابع‏]‏‏:‏ قال الدارقطني‏:‏ ثنا دَعْلَج ثنا أحمد بن عليٍّ الأبَّار ثنا محمَّد بن يوسف الغَضيْضيُّ ثنا رِشْدِين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا ينجِّس الماء شيءٌ إلا ما غير ريحه أو طعمه‏"‏‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ لم يرفعه غير رِشدِين بن سعد عن معاوية بن صالح، وليس بالقويِّ‏.‏

وخالفه ‏[‏‏]‏ الأحوص بن حكيم فرواه عن راشد بن سعد مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقال أبو أسامة‏:‏ عن الأحوص عن راشد قوله‏.‏

لم يجاوز به راشداً‏.‏

وقد ذكرنا القدح في رِشدِين بن سعد ومعاوية بن صالح‏.‏

ز‏:‏ وقد روى حديث أبي أمَامَة‏:‏ ابنُ مَاجَه في ‏"‏سننه‏"‏ والبيهقيُّ من طريق رِشدِين أيضاً‏.‏

وفي لفظ البيهقيِّ‏:‏ ‏"‏إذا كان الماء قلَّتين لم ينجِّسه شيء إلا ما غلب عليه ريحه أو طعمه‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ كذا وجدتُّه‏!‏ ولفظ ‏"‏القلَّتين‏"‏ فيه غريبٌ‏.‏

وقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ يوصله رِشْدِين بن سعد- وليس بالقويِّ-، والصَّحيح أنَّه مرسلٌ‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ هذا الحديث لا يُثبتُ أهل الحديث مثلَه، ولكنَّه قول العامَّة لا أعلم بينهم فيه خلافاً‏.‏

وقد روى أبو القاسم البغويُّ عن أحمد أنَّه قال في رِشْدِين‏:‏ أرجو أنَّه صالح الحديث‏.‏

وضعَّفه أَيضاً‏:‏ الفلاَّس وأبو زرعة والدارقطني‏.‏

وقال الجوزجانيُّ‏:‏ عنده معاضيل و مناكير كثيرة، وسمعتُ ابن أبي مريم يثني عليه في دينه‏.‏

وقال قتيبة بن سعيد‏:‏ كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ عامَّة أحاديثه عن من يرويه عنه ما أقلَّ فيها ما تابعه أحدٌ عليها، وهو مع ضعفه يكتب حديثه‏.‏

وقال ابنُ يونس‏:‏ كان رجلاً صالحاً لا يُشكُّ في صلاحه وفضله، فأدركتْهُ غفلةُ الصَّالحين فخلَّط في الحديث‏.‏

14- وقال البيهقيُّ‏:‏ أبنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الوليد أنا الشَّاماتي نا عطية بن بقيَّة بن الوليد ثنا أبي عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏إنَّ الماء طاهرٌ إلا إن تغيَّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسةٍ تَحدث فيه‏"‏‏.‏

15- قال‏:‏ وأبنا أبو حازم الحافظ أنا أبو أحمد الحافظ أنا أبو الحسن أحمد ابن عمير بن يوسف الدِّمشقيُّ بدمشق ثنا أبو أميَّة- يعني‏:‏ محمَّد بن إبراهيم- ثنا حفص بن عمر ثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه‏"‏‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ والحديث غير قويٍّ، واللّه أعلم‏.‏

16- وقال أبو أحمد ابن عَدِيٍّ في كتاب ‏"‏الكامل‏"‏‏:‏ ثنا ابن جَوْصَا ثنا أبو أميَّة محمَّد بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الماء لا ينجس إلا ما غيَّر ريحه أو طعمه‏"‏‏.‏

قال ابن عَدِي‏:‏ هذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر الأيليّ، وأحاديثه كلُّها إمَّا منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضَّعف أقرب‏.‏

ورواه رِشْدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أُمَامَة موصولاً أيضاً‏.‏

ورواه الأحوص بن حكيم- مع ضعفه- عن راشد بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً ولا يذكر أبا أُمَامَة‏.‏

17- وقال الطَّحاويُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن الحجَّاج ثنا عليُّ بن معبد ثنا عيسى ابن يونس عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعدٍ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الماء لا ينجِّسه شيءٌ إلا ما غلب على لونه أو طعمه‏"‏‏.‏

قال الطَّحاويُّ‏:‏ هذا منقطعٌ، وأنتم لا تثبتون المنقطع ولا تحتجُّون به O‏.‏

18- الحديث ‏[‏الخامس‏]‏‏:‏ قال الترمذيُّ‏:‏ ثنا هنَّاد ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعبٍ عن عبيد ‏[‏الله‏]‏ بن عبد الله بن رافع بن خَدِيج عن أبي سعيد الخدريِّ قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله أنتوضأ من بئر بُضَاعة- وهي بئرٌ يلقى فيها الحِيض ولحوم الكلاب والنَّتن-‏؟‏ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏إنَّ الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

وقد رواه جماعةٌ عن أبي أسامة، فقالوا‏:‏ عبيد الله بن عبد الله، ورواه سَلِيط بن أيوب فقال‏:‏ عن عبد الرَّحمن بن رافع، وقال مرَّةً‏:‏ عن عبيد الله ابن عبد الرَّحمن بن رافع، ورواه يعقوب بن إبراهيم فقال‏:‏ عن عبيد الله عن أبيه، فقد اضطربوا فيه‏.‏

ورواه المقبريُّ عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال الدَارَقُطْنيُّ‏:‏ والحديث غير ثابتٍ‏.‏

وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب ‏"‏الشَّافي‏"‏ عن أحمد أنَّه قال‏:‏ حديث بئر بضاعة صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ سُئل الدَّارَقُطنيُّ عن هذا الحديث فقال‏:‏ يرويه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد‏.‏

ورواه الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب القُرَظيِّ عن عبد الله بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد‏.‏

ورواه محمَّد بن إسحاق أيضاً بإسناد آخر عن سَلِيط بن أيوب، واختلف عن ابن إسحاق‏:‏ فقال محمَّد بن سلمة الحرَّانيُّ‏:‏ عن محمَّد بن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الرَّحمن بن رافع عن أبي سعيد، ووهم‏.‏

وقال إبراهيم بن ‏[‏سعدٍ‏]‏ و أحمد بن خالد الوهبي وشعيب بن إسحاق‏:‏ عن ابن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبد الله بن عبد الرَّحمن ابن رافع عن أبي سعيد، وهو أشبه بالصَّواب‏.‏

ورواه أبو معاوية الضَّرير عن ابن إسحاق فلم يُقم إسناده، وخلَّط فيه، فقال‏:‏ عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة؛ ومرَّةً قال‏:‏ عن عبيد الله بن عبد‏.‏

وكذلك قال حمَّاد بن سلمة عن محمَّد بن إسحاق‏.‏

وقال جرير ‏[‏بن عبد الحميد‏]‏‏:‏ عن محمَّد بن إسحاق بلغني عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد‏.‏

وقد قارب، لأنَّ ابن إسحاق رواه عن سَلِيط بن أيوب عن عبيد الله‏.‏

وروى هذا الحديث مُطرِّف بن طَريف عن خالد بن أبي ‏[‏نوف‏]‏، واختلف عن مُطرِّف‏:‏

فقال ‏[‏عبد العزيز‏]‏ القَسْمَليُّ‏:‏ عن مُطرِّف عن خالد بن أبي ‏[‏نوف‏]‏ عن سَلِيط عن أبي سعيد الخدريِّ عن أبيه‏.‏

وقال أسباط بن محمَّد‏:‏ عن مطرِّف عن خالد عن محمَّد بن إسحاق- فرجع الحديث إلى ابن إسحاق- وأرسله عن أبي سعيد‏.‏

ورواه ابن أبي ذئب واختلف عنه‏:‏ فقال أبو أحمد الزُّبيريُّ‏:‏ عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن عبد الرّحمن عن عبيد اللّه بن عبد الله بن عُتبة عن أبي سعيد‏.‏

وقال أبو معاوية الضَّرير‏:‏ عن ابن أبي ذئب عن من أخبره عن عبيد الله ابن عبد الله العدويِّ عن أبي سعيد‏.‏

وقال وكيع وأبو معاوية‏:‏ عن ابن أبي ذئب عن رجلٍ لم يسمِّه عن عبيد الله بن عبد الله، وأسندوه عن أبي سعيد‏.‏

وأحسنها إسناداً‏:‏ حديث الوليد بن كثير عن محمَّد بن كعب، وحديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة‏.‏ انتهى كلام الدَّارَقُطْنيَّ‏.‏

وما حكاه المؤلِّف عنه- من قوله‏:‏ ‏(‏والحديث غير ثابت‏)‏-‏:‏ يريد به حديث أبي هريرة لا حديث أبي سعيد كما صرَّح به في ‏"‏العلل‏"‏‏.‏

وقد روى هذا الحديث أيضاً الإمام أحمد وأبو داود ‏[‏والنسائيُّ والدَّارَقُطْنيُّ، وفي لفظ للإمام أحمد وأبي داود‏]‏ والدَّارَقُطْنيِّ‏:‏ يُطرح فيه محايض النِّساء ولحم الكلاب وعذر النَّاس‏.‏

وقال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ، وقد جوَّد أبو أسامة هذا الحديث، ولم يرو أحدٌ حديث أبي سعيد في بئر بُضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي سعيد‏.‏

قال أبو داود‏:‏ سمعت قتيبة بن سعيد يقول‏:‏ سألت قيِّم بئر بُضاعة عن عمقها، فقلت‏:‏ أكثر ما يكون الماء فيها‏؟‏ قال‏:‏ إلى العانة‏.‏

قلت‏:‏ فإذا نقص‏؟‏ قال‏:‏ دون العورة‏.‏

قال أبو داود‏:‏ قدَّرت بئر بُضاعة بردائي، مدَّدته عليها، ثمَّ ذَرَعتْه، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه‏:‏ هل غُيِّر بناؤها عمَّا كانت عليه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

ورأيتُ الماء فيها متغيِّر اللون O‏.‏

احتجَّ أصحابُ الشافعيِّ‏:‏

19- بما روى الترمذيُّ‏:‏ ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن همَّام بن منبِّه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم ثم يتوضَّأ منه‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ، وفي ‏[‏لفظه‏]‏‏:‏ ‏"‏ثم يغتسل فيه‏"‏؛ وأخرجه مسلمٌ، وفي ‏[‏لفظه‏]‏‏:‏ ‏"‏ثم تغتسل منه‏"‏‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ ووجه حجَّتهم أَنَّه لو كان فيه نجاسةٌ غير البول منعت، فالبول كذلك‏.‏

مسألة ‏(‏3‏)‏‏:‏ إذا تغيَّر الماء بشيءٍ من الطََّاهرات تغيراً يزيل عنه اسم الإطلاق لم يرفع الحدث، خلافاً لأبي حنيفة‏.‏

احتجَّ الخصم بحديثين‏:‏

فرقهما- كلاهما عن أبي هريرة به‏.‏

20- قال أحمد‏:‏ ثنا إسحاق الأزرق أنا هشام عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت‏:‏ توفِّيت إحدى بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏اغسلنَّها بسدرٍ واجعلنَّ في الآخرة كافوراً- أو‏:‏ شيئاً من كافور-‏"‏‏.‏

21- قال أحمد‏:‏ وثنا عبد الملك بن عمرو ثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد عن أمِّ هانئ قالت‏:‏ اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وميمونة من إناءٍ واحد، ‏[‏‏]‏ قصعةٌ فيها أثر العجين‏.‏

22- قال أحمد‏:‏ وثنا عبد الرَّزَّاق أنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن المطَّلب بن عبد الله عن أمِّ هانئ قالت‏:‏ جيء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفنةٍ فيها ماء، ‏[‏فيها‏]‏ أثر العجين فاغتسل‏.‏

حديث أمِّ عطية‏:‏ في ‏"‏الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وحديث أمِّ هانئ‏:‏ لا يثبت، وقد روى الدَّارَقُطْنيُّ أنَّ أمَّ هانئ كرهت أن يُتوضَّأ بالماء الذي يبلُّ فيه الخبز‏.‏

ثُمَّ ليس في الحديثين حجَّة، لأَنَّه ليس فيهما ذكر التَّغيُّر‏.‏

ز‏:‏ وقد روى حديثَ أمِّ هانئ أيضاً‏:‏ ابن ماجه والنَّسائيُّ وأبو حاتم ابن حبَّان O‏.‏

مسألة ‏(‏4‏)‏‏:‏ المستعمل في رفع الحدث طاهرٌ‏.‏

وقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ نجسٌ‏.‏

لنا‏:‏

23- ما روى أحمد‏:‏ ثنا وكيع ثنا سفيان عن عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه قال‏:‏ أتيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح- وهو في قُبَّة له- فخرج بلال بفضل وَضوءه، فبين ناضحٍ ونائلٍ‏.‏

24- قال أحمد‏:‏ وثنا عفان ثنا شعبة عن الحكم قال‏:‏ ‏[‏سمعتُ‏]‏ أبا جُحَيفة يقول‏:‏ توضًأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل النَاس يأخذون فضل وَضوءه‏.‏

أخرجاه في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا، وفيه خلاف عند الأئمة الأربعة وغيرهم، والصحيح من حيث الدَّليل أنه طَهور، وقد احتجَّ أصحابنا بأحاديث في الاستدلال بها نظرٌ، منها‏:‏

24- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‏:‏ جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصبَّ وَضوءه عَلَيَّ فعقلت، فقلت‏:‏ يا رسول الله، لمن الميراث، إنما يرثني كَلالةٌ‏؟‏ فنزلت آية الفرائض‏.‏

متفقٌ عليه‏.‏

25- وعن السَّائب بن يزيد رضي الله عنه قال‏:‏ ذهبت ‏[‏بي‏]‏ خالتي إلى النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت‏:‏ يا رسول الله، إن ابن أختي وجعٌ‏.‏

فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضَّأ فشربت من وَضوءه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النُّبوة بين كتفيه مثل زِرِّ الحَجَلة‏.‏

متفقٌ عليه‏.‏

26- وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه- ذكر في حديث صلح الحديبية- قال‏:‏ فوالله ما تنخَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامةً إلا وقعت في كفٍّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوءه‏.‏

رواه البخاريُّ‏.‏

27- وعن الرُّبيِّع بنت معوَّذ بن عَفْراء أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماءٍ كان بيده‏.‏

رواه أبو داود، وفي إسناده‏:‏ عبد الله بن محمَّد بن عَقيل، قال أحمد- في رواية حنبل-‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال ابنُ معين وابنُ المدينيِّ‏:‏ كان ضعيفاً‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ليِّن الحديث، ليس بالقويِّ، ولا ممَّن يحتجُّ بحديثه‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ضعيف‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ لا أحتجُّ به لسوء حفظه‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ صدوقٌ، وقد تكلَّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعتُ محمَّد بن إسماعيل يقول‏:‏ كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميديُّ يحتجُّون بحديث ابن عقيل‏.‏

قال محمَّد بن إسماعيل‏:‏ وهو مقارب الحديث‏.‏

وقال الحاكم أبو أحمد‏:‏ ‏[‏كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجَّان بحديثه‏]‏، ليس بذاك المتن المعتمد‏.‏

والدَّليل على طهوريته‏:‏ قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الماء لا يجنب‏"‏، وقال‏:‏ ‏"‏الماء ليس عليه جنابة‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ ولأَنَّه غسل به محلٌّ طاهرٌ فلم تزل طَهوريته، كما لو غسل ‏[‏به‏]‏ الثَّوب، ولأَنَّه لاقى محلاً طاهراً فلا يخرج عن حكمه بتأدية الفرض ‏[‏به‏]‏، كالثَّوب يصلي فيه مراراً O‏.‏

مسألة ‏(‏5‏)‏‏:‏ لا يجوز للرجل أن يتوضَّأ بفضل وَضوء المرأة إذا خلت بالماء، خلافاً لهم‏.‏

لنا ثلاثة أحاديث‏:‏

28- الأوَّل‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا سليمان بن داود ثنا شعبة عن عاصم الأحول قال‏:‏ سمعت أبا حاجب يحدِّث عن الحكم بن عمرو الغفاريِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتوضَّأ الرَّجل بفضل وَضوء المرأة‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديث حسن، واسم أبي حاجب‏:‏ سوادة بن عاصم‏.‏

ز‏:‏ ورواه أبو داود وابن مَاجَه والنسائيُّ وأبو حاتم ابن حِبَّان والترمذيُّ وزاد فيه‏:‏ أو قال‏:‏ بسؤرها‏.‏

ورواه الدَّارَقُطْنيُّ وقال‏:‏ أبو حاجب اسمه‏:‏ سوادة بن عاصم، واختلف عنه، فرواه‏:‏ عمران بن حُدير وغزوان ‏[‏بن‏]‏ حجير السَّدوسيُّ عنه موقوفاً من قول الحكم غير مرفوعٍ إلى النَّبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ وبلغني عن أبي عيسى الترمذيِّ أنه قال‏:‏ سألتُ محمداً- يعني البخاريَّ- عن هذا الحديث، فقال‏:‏ ليس بصحيح‏.‏

يعني حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو‏.‏

وقال الأثرم‏:‏ قال أبو عبد الله‏:‏ يضطربون فيه عن شعبة، وليس ‏[‏هو‏]‏ في كتاب غُندَر، بعضهم يقول‏:‏ ‏(‏عن فضل سؤر المرأة‏)‏، وبعضهم يقول‏:‏ ‏(‏عن فضل وَضوء المرأة‏)‏، لا يتَّفقون عليه‏.‏

و سوادة بن عاصم‏:‏ وثَّقه يحيى بن معين والنَّسائيُّ، وقال أبو حاتم‏:‏ شيخ‏.‏

وذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏الثِّقات‏"‏ وقال‏:‏ ربَّما أخطأ O‏.‏

29- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا حميد بن عبد الرَّحمن الرُّؤاسي ثنا زهير عن داود بن عبد الله الأَوديِّ عن حُميد الحِميريِّ قال‏:‏ لقيت رجلاً من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا يغتسل الرَّجل من فضل المرأة ولا تغتسل بفضله‏"‏‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أبو داود عن أحمد بن يونس عن زهير، ‏[‏و‏]‏ عن مسدَّد عن أبي عوانة، جميعاً عن داود بن عبد الله‏.‏

ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة عن أبي عوانة‏.‏

وزهير هو‏:‏ ابن معاوية، أبو خَيْثَمة، الجعفيُّ، الكوفيُّ، الحافظ، أحد الأثبات‏.‏

قال معاذ بن معاذ‏:‏ والله ما كان سفيان أثبت من زهير‏.‏

وقال أحمد‏:‏ كان ‏[‏مِنْ‏]‏ معادن الصِّدق‏.‏

وداود بن عبد الله الأَوْديُّ‏:‏ وثَّقه أحمد، وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين‏:‏ ليس بشيء‏.‏

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى‏:‏ ثقة‏.‏

كذا ذكر غير واحدٍ من المصنِّفين رواية عبَّاس عن يحيى في ترجمة ‏[‏داود‏]‏ هذا، والظَّاهر أنَّ كلام يحيى إنَّما هو في داود بن يزيد الأَوْدي- عمِّ عبد الله بن إدريس- فإنَّه المشهور بالضَّعف‏.‏

وحُميد ‏[‏الحميريُّ‏:‏ هو ابن عبد الرّحمن‏.‏

قال العجليُّ‏:‏ بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ، وكان ابن سيرين يقول‏:‏‏]‏ هو أفقه أهل البصرة‏.‏

وحميد الرُّؤاسيُ‏:‏ ثقةٌ ثبتٌ‏.‏

قال أبو بكر بن أبي شَيبَة‏:‏ قلَّ من رأيت مثله‏.‏

وقال البيهقيُّ في هذا الحديث‏:‏ رواتُه ثقاتٌ؛ إلا أنَّ حُميداً لم يسمِّ الصَّحابي الذي حدَّثه، ‏[‏فهو‏]‏ بمعنى المرسل، إلا أنَّه مرسلٌ جيِّدٌ، لو لا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله؛ وداود بن عبد الله الأَوْديُّ لم يحتج به الشَّيخان- البخاري ومسلم- رحمهما الله‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

وهذا الحديث ليس بمرسلٍ، وجهالة الصَّحابي لا تضر، وقيل‏:‏ إن ‏[‏هذا‏]‏ الرَّجل الذي لم يسم‏:‏ عبد الله بن سَرْجِس‏.‏

وقيل‏:‏ عبد الله ابن مُغَفَّل‏.‏

وقيل‏:‏ الحكم بن عمرو الغفاريُّ‏.‏

وقد تكلَّم على هذا الحديث ابن حزم بكلام أخطأ فيه، وردَّ عليه ابن مُفَوَّز وابنُ القطَّان وغيرهما، وقد كتب الحميديُّ إلى ابن حزم من العراق ‏[‏يخبره‏]‏ بصحَّة هذا الحديث O‏.‏

30- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا عبد الله بن محمَّد بن سعيد المقرئ ثنا أبو حاتم الرَّازي ثنا معلَّى بن ‏[‏أسد‏]‏ ثنا عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سَرْجِس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يغتسل الرَّجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرَّجل، ولكن يشرعان جميعاً‏.‏

ز‏:‏ ورواه ابن ماجه وقال‏:‏ هو وهمٌ‏.‏

يعني أنَّ الصَّواب حديث الحكم بن عمرو‏.‏

ورواه الدَّارَقُطْني أيضاً وقال‏:‏ خالفه شعبة‏.‏

فرواه من رواية شعبة عن عاصم عن عبد الله بن سرجِس قال‏:‏ تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرَّجل وطهوره، ولا يتوضأ بفضل غسل المرأة ولا طهورها‏.‏

قال‏:‏ هذا موقوفٌ وهو أولى‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ وبلغني عن أبي عيسى الترمذي عن محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ أَنه قال‏:‏ حديث عبد الله بن سَرجِس في هذا الباب الصَّحيح هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ O‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ اعترضوا على هذه الأحاديث‏:‏ أمَّا الأوَّل‏:‏ فقد قال البخاريُّ‏:‏ لا أرى حديث سوادة عن الحكم يصحُّ‏.‏

وأمَّا الثَّاني والثَّالث‏:‏ فلا يمكن العمل بمطلقه، لأَنَّه يجوز للمرأة أن تتوضَّأ بما خلا به الرَّجل‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا قول البخاريِّ‏:‏ فظنٌّ لم يذكر عليه دليل‏.‏

وأمَّا الاعتراض الثَّاني‏:‏ فقد حكى شيخنا أبو الحسن بن ‏[‏الزَّاغُوني‏]‏ عن أصحابنا المنع، وإن سلَّمنا- على المشهور- قلنا‏:‏ هذا عامٌ دخله التَّخصيص بالإجماع أو بدليلٍ‏.‏

أمَّا حجَّتهم‏:‏

31- فروى أحمد‏:‏ ثنا وكيع عن سفيان عن سِماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من أزواج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسلت من جنابةٍ فاغتسل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو توضَّأ- من فضلها‏.‏

32- قال أحمد‏:‏ وحدثنا عبد الرَّزَّاق ثنا سفيان الثَّوريُّ عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة من نساء النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استحمَّت من جنابةٍ فجاء النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضَّأ من فضلها، فقالت‏:‏ إنِّي اغتسلتُ منه‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ الماء لا ينجِّسه شيءٌ‏"‏‏.‏

33- قال أحمد‏:‏ وثنا هاشم بن القاسم ثنا شَريك عن سِماك عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن ميمونة زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت‏:‏ أجنبت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلت من جفنةٍ ففضلت فضلةٌ فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليغتسل منها، فقلت‏:‏ إنِّي قد اغتسلتُ منها‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ الماء ليس عليه جنابة- أو‏:‏ لا ينجِّسه شيءٌ-‏"‏‏.‏

فاغتسل منه‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث‏:‏ بأنَّه يحتمل أن يكون مع المشاهدة أو المشاركة، فيُجمع بينه وبين حجَّتنا‏.‏

ز‏:‏ وقد روى حديث عكرمة عن ابن عبَّاس أيضاً‏:‏ أبو داود وابن ماجه والنَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وابن خُزَيْمَة وابن حِبَّان في ‏"‏صحيحيهما‏"‏ والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ وقال‏:‏ صحيحٌ لا يحفظ له علَّة‏.‏

وقال أحمد‏:‏ أتَّقيه لحال سماك، ليس أحد يرويه غيره‏.‏

وقال‏:‏ هذا فيه اختلافٌ شديد، ‏[‏بعضهم يرفعه‏]‏، وبعضهم لا يرفعه‏.‏

وقال‏:‏ أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون‏:‏ إذا خلت المرأة بالماء فلا يتوضأ منه‏.‏

وسماك بن حرب‏:‏ احتجَّ به مسلمٌ في ‏"‏صحيحه‏"‏، واستشهد به البخاريُّ في ‏"‏الجامع الصَحيح‏"‏، وقال عبد الرَّزاق عن الثَّوريِّ‏:‏ ما سقط لسماك بن حرب حديث‏.‏

وقال صالح بن أحمد عن أبيه‏:‏ سماك أصلح حديثاً من عبد الملك بن عمير‏.‏

وقال أبو طالب عن أحمد‏:‏ مضطرب الحديث‏.‏

وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين‏:‏ ثقة، وكان شعبة يضعِّفه‏.‏

وقال ابن المبارك عن الثَّوريِّ‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وقال العجليُّ‏:‏ جائز الحديث، إلا أنَّه كان في حديث عكرمة ربَّما وصل الشيء عن ابن عبَّاس، وربما قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما كان عكرمة يحدِّث عن ابن عبَّاس، وكان الثَّوريُّ يضعِّفه بعض الضَّعف، وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحدٌ ولم يرغب عنه أحد، وكان ‏[‏عالماً بالشعر‏]‏ وأيام النَّاس، وكان فصيحاً‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ صدوق ثقة‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ رواية سماك عن عكرمة مضطربةٌ‏.‏

وقال زكريا بن عَديٍّ عن ابن المبارك‏:‏ سماك ضعيف في الحديث‏.‏

وقال صالح بن محمَّد البغداديُّ‏:‏ يُضَعَّف‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس به بأسٌ، ‏[‏و‏]‏ في حديثه شيءٌ‏.‏

وقال ابن خراشٍ‏:‏ في حديثه لينٌ‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ صدوقٌ لا بأس به‏.‏

34- وقد روى مسلمٌ في ‏"‏صحيحه‏"‏ بإسناده إلى عمرو بن دينار قال‏:‏ علمي والذي يخطر على بالي أنَّ أبا الشَّعثاء أخبرني أنَّ ابن عبَّاس أخبره أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بفضل ميمونة O‏.‏

مسألة ‏(‏6‏)‏‏:‏ لا يجوز إزالة النَّجاسة بمائعٍ غير الماء‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

وحجَّتنا‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر باستعمال الماء‏:‏

35- قال أحمد‏:‏ حدَّثنا بهز ثنا عكرمة بن عمّار ثنا إسحاق بن عبد الله ‏[‏بن‏]‏ أبي طلحة عن عمِّه أنس بن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً في المسجد، إذ جاء أعرابيٌّ فبال في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من القوم‏:‏ ‏"‏قم فأتنا بدلوٍ من الماء فشُنَّه عليه‏"‏‏.‏

فأُتي بدلوٍ من ماء فشَنَّه عليه‏.‏

36- قال أحمد‏:‏ وثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة، فقالت‏:‏ يا رسول الله، المرأة يصيبها من دم حيضها‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏لتَحُتَّه، ثم لتَقْرُصَه بالماء، ثمَّ لتصلِّ فيه‏"‏‏.‏

الحديثان في ‏"‏الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وفي أخرى قال‏:‏ قلبك فنقه‏.‏

وأما خبر‏:‏ ‏"‏يطهره ما بعده‏"‏‏:‏ فمحمول على الجاسة اليابسة التي تسقط عن الثوب بالسحب على الأرض‏.‏

وخبر المرأة من بني عبد الأشهل قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إن لنا طريق منتنة‏.‏

فليس لها اسم معلوم ولا نسب معروف‏.‏

وخبر أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى، فإن التراب له طهور‏"‏‏.‏

معلول‏.‏

وخبر عائشة في ذلك مرسل، فالقعقاع لم يسمع من عائشة‏.‏

وأما خبر عائشة قالت‏:‏ قد كان يكون لإحدانا الدرع تحيض فيه، وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم، فتقصعه بريقها‏.‏

فوارد في النجاسة اليسيرة التي يعفى عنها‏.‏

وإن لم تغسل ‏[‏‏]‏، ثم يرى فيه قطرة من دم وعجز المرء عن إزالته- كيسير النجاسة- بالبزاق‏.‏

وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار‏:‏ ‏"‏يا عمار، ما نخامتك ولا دموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك، إنما يغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدم والقيء‏"‏‏.‏

فباطلٌ، لا أصل له، علي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع‏)‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

مسألة ‏(‏7‏)‏‏:‏ لا يجوز التوضُّؤ بشيءٍ من الأنبذة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز بنبيذ التَّمر المطبوخ إذا عدم الماء في السَّفر‏.‏

وأصحابنا يستدِلُّون‏:‏ بقوله‏:‏ ‏(‏فلم تجدوا ماءً‏)‏ ‏[‏النساء‏:‏ 43، المائدة‏:‏ 6‏]‏‏.‏

37- وبما رواه التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو أحمد الزُّبيري ثنا سفيان عن خالد الحذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان عن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الصَّعيد الطَّيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسَّه بشرته فإن ذلك خيرٌ‏"‏‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

ز‏:‏ وروى هذا الحديث‏:‏ أحمد وأبو داود والنَّسائيُّ وأبو حاتم بن حِبَّان والحاكم وقال‏:‏ صحيحٌ ولم يخرجاه، إذ لم يجدا لعمرو بن بُجْدان راوياً غير أبي قلابة الجرميِّ‏.‏

وسئل الدَّارَقُطْنيُّ عن هذا الحديث فقال‏:‏ يرويه أبو قلابة عن عمرو بن فَزارة العبسيّ ثنا أبو زيد مولى عمرو بن حُريث عن ابن مسعود قال‏:‏ لما كانت ليلة الجنِّ، قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أمعك ماءٌ‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ ليس معي ماء، ولكن معي إداوة فيها نبيذٌ‏.‏

فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏تمرةٌ طيِّبةٌ، وماءٌ طهورٌ‏"‏‏.‏

39- قال أحمد‏:‏ وثنا يحيى بن زكريا عن إسرائيل عن أبي فَزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود قال‏:‏ كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة لقي الجنَّ فقال‏:‏ ‏"‏أمعك ماءٌ‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ لا‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ما هذا في الإداوة‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ نبيذٌ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ ‏[‏أرنيها‏]‏، ثمرةٌ طيِّبة، وماء طهور‏"‏‏.‏

فتوضَّأ، ثم صلَّى بنا‏.‏

ز‏:‏ ورواه أبو داود وابن ماجه و ‏[‏الترمذيُّ‏]‏، وسيأتي كلامه عليه O‏.‏

40- الطَّريق الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ وثنا يحيى بن إسحاق أنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجَّاج عن حنش الصَّنعاني عن ابن عبَّاس عن عبد الله بن مسعود أَنَّه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يا عبد الله، أمعك ماء‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ معي نبيذ في إداوة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏اصبب عَلَيَّ‏"‏‏.‏

فتوضَّأ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يا عبد الله بن مسعود، شرابٌ وطهورٌ‏"‏‏.‏

41- الطَّريق الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطنيُّ‏:‏ ثنا البغويُّ ثنا محمَّد بن عبَّاد المكيُّ ثنا أبو سعيد مول بني هاشم ثنا حمَّاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة ‏[‏الجنِّ‏]‏‏:‏ ‏"‏أمعك ماء‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏أمعك نبيذٌ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

فتوضّأ ‏[‏به‏]‏‏.‏

42- الطَّريق الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا الفضل بن صالح الهاشميُّ ثنا الحسن بن عبيد الله العجليُّ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل قال‏:‏ سمعت ابن مسعود يقول‏:‏ كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ فأتاهم فقرأ عليهم القرآن، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الليل‏:‏ ‏"‏أمعك ماء يا ابن مسعود‏؟‏‏"‏ قلت‏:‏ ‏[‏لا‏]‏ والله يا رسول الله، إلا إداوة فيها نبيذ‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏تمرة طيبة، وماء طهور‏"‏‏.‏

فتوضَّأ به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

43- الطََّريق الخامس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا محمَّد بن عيسى بن حيَّان ثنا الحسن بن قتيبة ثنا يونس بن أبي إسحاق ‏[‏عن أبي إسحاق‏]‏ عن أبي عبيدة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال‏:‏ مرَّ بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏خذ معك إداوة من ماء‏"‏‏.‏

ثم انطلق وأنا معه فلمَّا فرَّغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذٌ‏!‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخطأت بالنَّبيذ‏!‏ فقال‏:‏ ‏"‏تمرة حلوة، وماء عذب‏"‏‏.‏

44- الطَّريق السَّادس‏:‏ قال الدارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثني محمَّد بن أحمد بن الحسن ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسَّان ثنا هشام بن خالد الأزرق ثنا الوليد ثنا ‏[‏معاوية‏]‏ بن سلاَّم عن أخيه زيد عن جدِّه أبي سلاَّم عن فلان بن غيلان الثَّقَفيِّ أنَّه سمع عبد الله بن مسعود يقول‏:‏ دعاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ بوَضوء، فجئته بإداوة فيها نبيذٌ، فتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وأمَّا حديث ابن عبَّاس فله طريقان‏:‏

45- الطَّريق الأوَّل‏:‏ قال الدَارَقُطْنيُّ‏:‏ ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا المسيَّب بن واضح ثنا مبشر بن إسماعيل ‏[‏عن‏]‏ الأوزاعيِّ عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏النَّبيذ وَضوءُ من لم يجد الماء‏"‏‏.‏

46- الطَّريق الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا السَّريُّ بن سهل الجُندَيْسَابُورِيُّ ثنا عبد الله بن رُشَيد ثنا أبو عبيدة مُجَّاعة عن أبان عن عكرمة عن ابن عبَاس قال‏:‏ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قال ‏"‏إذا لم يجد أحدكم الماء، ووجد النَّبيذ، فليتوضَّأ به‏"‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ليس في هذه ‏[‏الأحاديث‏]‏ شيءٌ يصحُّ‏.‏

أمَّا حديث ابن مسعود‏:‏ ففي الطَّريق الأوَّل‏:‏ أبو زيد وأبو فزارة وهما مجهولان، قال أحمد بن حنبل‏:‏ أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجلٌ مجهولٌ‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ وأبو زيد مجهولٌ عند أهل الحديث، لا يُعرف له رواية غير هذا الحديث‏.‏

قال أبو زرعة‏:‏ وهذا الحديث ليس بصحيح‏.‏

فإن قيل‏:‏ أبو فزارة‏:‏ اسمه راشد بن كيسان، أخرج عنه مسلم، وكذلك قال الدارَقُطنيُّ‏:‏ أبو فزارة في حديث النَّبيذ‏:‏ اسمه راشد بن كيسان‏.‏

فجوابه من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّهما اثنان، فالمجهول هو الذي في هذا الحديث، ودليل هذا قول أحمد‏:‏ أبو فزارة في حديث ابن مسعود‏:‏ مجهول‏.‏

فأعلم أنَّه غير المعروف‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّ معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة‏.‏

وأمَّا الطّريق الثَّاني‏:‏ فتفرَّد به ابن لهيعة، قال الدارقطني‏:‏ لا يحتجُّ بحديثه‏.‏

وفيه حنش، قال ابن حِبَّان‏:‏ لا يحتجُّ بحديثه‏.‏

وأمَّا الطريق الثالث‏:‏ ففيه عليُّ بن زيد، قال أحمد ويحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال يحيى بن سعيد‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود‏.‏

وأمَّا الطَّريق الرَّابع‏:‏ ففيه الحسن العجليُّ، قال الدارقطني‏:‏ كان يضع الحديث، وقد كذب في هذا الحديث على أبى معاوية وعلى الأعمش‏.‏

وأمَّا الطَّريق السَّادس‏:‏ ففيه ابن غيلان، قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ مجهولٌ‏.‏

ويردُّ أصلَ الحديث أنَّه في ‏"‏الصَّحيح‏"‏ عن ابن مسعود أنَّه سُئل‏:‏ أكنتَ مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجنِّ‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏

وأمَّا حديث ابن عبَّاس‏:‏ فتفرَّد بالحديث الأوَّل‏:‏ المسيَّب بن واضح، قال الدارَقُطْنيُّ‏:‏ هو ضعيفٌ، وقد وهم فيه في موضعين‏:‏ في ذكر ابن عبَّاس، وفي ذكر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والمحفوظ أنَّه من قول عكرمة غير مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا إلى ابن عبَّاس، وقد رواه المسيَّب مرَّةً موقوفاً غير مرفوعٍ‏.‏

وأمَّا الطَّريق الثَّاني‏:‏ ففيه أبان بن أبي عيَّاش، وهو متروك، قال شعبة‏:‏ لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أحدِّث عن أبان‏!‏ وقال يحيى‏:‏ ليس حديثه بشيءٍ‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ هو متروكٌ‏.‏

قال‏:‏ ومُجَّاعة‏:‏ ضعيفٌ، والمحفوظ أنَّه من قول عكرمة غير مرفوعٍ‏.‏

ز‏:‏ أبو فَزَارة في الحديث الأوَّل‏:‏ هو راشد بن كيسان- بلا خلاف- وقد احتجَّ به مسلمٌ في ‏"‏صحيحه‏"‏، وروى له البخاريُّ في ‏"‏الأدب‏"‏ وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه، وقد روى عن أنس بن مالك ويزيد بن الأصم وجماعة، وروى عنه جرير بن حازم والثَّوريُّ وشَريك وغيرهم، ووثَّقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم‏:‏ صالح‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثقةٌ كيِّس، ولم أر له في كتب أهل النَّقل ذكراً بسوءٍ في دينٍ أو حرفةٍ‏.‏

وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في ترجمته‏:‏ سمعت أبا زرعة يقول‏:‏ حديث أبي فزارة ليس بصحيحٍ‏.‏

وقال ابن عَديٍّ- بعد أن روى هذا الحديث-‏:‏ وأبو فَزَارة مشهور الحديث، اسمه راشد بن كَيْسَان‏.‏

وما ذكره المؤلِّف عن الإمام أحمد ‏(‏من أنَّ أبا فزارة مجهول‏)‏‏:‏ ليس بثابتٍ عنه، والظَّاهر أنَّ الرَّاوي غلط وأنَّ قول أحمد إنَّما هو في أبي زيد‏.‏

وأمَّا أبو زيد‏:‏ فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود‏:‏ كان نبَّاذاً بالكوفة‏.‏

وهذا يحتمل أن يكون تحسيناً ‏[‏لأمر‏]‏ أبي زيد، فيكون قد ضبط الحديث ‏[‏لكونه‏]‏ نبَّاذاً، ويحتمل أن يكون تضعيفاً له‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ سمعت ابن حمَّاد يقول‏:‏ ‏[‏قال البخاريُّ‏]‏‏:‏ أبو زيد- الذي روى حديث ابن مسعود أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏تمرة طيبةٌ، وماءٌ طهورٌ‏"‏-‏:‏ رجلٌ مجهولٌ، لا يعرف بصحبة عبد الله‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ وأبو زيد مولى عمرو مجهول، ولا يصحُّ هذا الحديث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقال الطَّحاويُّ‏:‏ هذا الحديث لا أصل له‏.‏

وحكى بعضهم الإجماع على ضعفه‏.‏

وأمَّا حنش الصَّنعانيُّ في الإسناد الثَّاني‏:‏ لم يضعِّفه ابن حِبَّان إنَّما ضعَّف حنش بن المعتمر- ويقال‏:‏ ابن ربيعة- الكنانيُّ الكوفيُّ، وقد احتجَّ مسلم بحنش الصَّنعانيِّ وروى له أصحاب ‏"‏السُّنن‏"‏، ووثَّقه أبو زرعة وأحمد بن عبد الله العجليُّ‏.‏

وأمَّا ابن لهيعة‏:‏ فقد قال أحمد‏:‏ من ‏[‏كان‏]‏ مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه‏!‏ وقال مسلم‏:‏ تركه وكيع ويحيى القطَّان وابن مهدي‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ ‏[‏كان‏]‏ لا يضبط، وليس بحجَّة‏.‏

وقال ابن معين‏:‏ ليس بذاك القويِّ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بثقة‏.‏

وقد تكلَّم المؤلِّف على الباقي بما فيه كفاية O‏.‏

قال‏:‏ وقد احتج الخصم بآثار منها‏:‏ أنَّ عليّاً أجاز الوضوء بالنبيذ‏.‏

وهذا من رواية الحارث الأعور- قال عليُّ بن المديني‏:‏ الحارث كذَّاب؛ ومن وراية مزيدة بن جابر، قال أبو زرعة‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

ومنها قول ابن عبَّاس في ذلك‏.‏

وهو ‏[‏من‏]‏ رواية عبد الله بن ‏[‏محرَّر‏]‏‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُّ‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏

ومنها قول أبي العالية، ‏[‏و‏]‏ لا يثبت عنه‏:‏

46/أ- قال أبو خلدة‏:‏ سألت أبا العالية‏:‏ عن رجلٍ ‏[‏ليس‏]‏ عنده ماء، وعنده نبيذٌ، أيغتسل به من جنابة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

فذكرت له ليلة الجنِّ، فقال‏:‏ ‏[‏أنبذتكم‏]‏ هذه الخبيثة‏!‏ إنَّما كان ‏[‏ذلك‏]‏ زبيباً وماء‏.‏

وقال هبة الله الطَّبريُّ‏:‏ أحاديث الوضوء بالنَّبيذ، وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبيَّة‏!‏‏.‏